رسالة إلى كل مريض ومبتلى

وقعت في يدي اليوم رسالة في كتيب صغير تحت عنوان

( رسالة إلى كل مريض ومبتلى )

تاليف : سعيد النورسي ترجمة : إحسان قاسم الصالحي

رسالة فيها خمسة وعشرين دواء فيها وصفات معنوية يمكن
أن تكون تسلية حقيقية ،ومرهما نافعا لأهل البلاء والمصائب
وللمرضى العليلين ،
وقد فرحت بهذه الرسالة لأنني رأيت فيها عيادة منى
لهؤلاء المرضى ، طامعا في أن يدعوا لي بظهر الغيب ،
راجيا ألا يضجروا على ما في الدواء من عبارات وجمل صعبه
تحتاج إلى الوقوف عندها والتفكر فيها .

الدواء الأول

أيهـا المريـض المسكيـن ! لا تقلـق ، اصبـر!
فــإن مـرضــك لـيــس عـلَّــة لـــك

بل هـو نـوع مـن الـدواء ، ذلـك لأن العمـر
رأس مـــالٍ يـتـلاشـى فــــإن لــــم

يُستثمـر فسيضيـع كــل شــيء ، وخـاصـة
إذا انـقـضــى بـالـراحــة والـغـفـلــة

وهـو يحـث الخطـى إلـى نهايتـه ، فالمـرض
يـكـســب رأس مــالــك الـمــذكــور

أرباحـا طائلـة ، ولا يسمـح بمضِّيـه سريعـا ،
فهـويـبـطـئ خــطـــوات الـعــمــر ،

ويمسكـه ، ويطوّلـه ، حتـى يؤتـي ثـمـاره ،
ثــم يـغـدو إلــى شـأنـه ، وقــد ذهــب

طـول العـمـر بـالأمـراض مـثـلا ،فقـيـل :
" ألا ما أطول زمن النوائب وما أقصر زمن الهنا " .

وغدا مع الدواء الثاني بعونه تعالى

يسلمووووو ياحبوبة على مرورك

الدواء الثاني

أيها المريض النافـذ الصبـر !
تحلَّ بالصبر ! بل تجمل بالشكر ،

فـإن مرضـك هـذا يمكنـه أن
يجعل من دقائق عمرك في حكـم

ساعـات مـن العبـادة ، ذلـك
لأن الـعـبـادة قـسـمـان :

الأول : العـبـادة الإيجابـيـة
( بالـجـوارح ) المتـجـسـدة

فــــي إقـامـةالـصــلاة
والــدعــاء وأمـثـالـهـا

الثانيـة : السلبيـة ( بالقلـب )
التي يتضرع فيها المصاب ويلجأ

إلى خالقـه الرحيـم مستجيـرا
متوسـلا إليـه ، منطلقـا مـن

أحاسيسه التي تُشعـره بعجـزه
وضعفه أمـام تلـك الأمـراض

والمصائب ، فينال بذلك التضرع
عـبـادة معنـويـة خالـصـة

متجردة من كل أنـواع الريـاء
نعم ، هناك روايـات صحيحـة

على أن العمر الممزوج بالمرض
والسقـم يعـد للمؤمـن عبـادة

على شرط عدم الشكـوى مـن
الله سبحانـه وعـدم القـنـوط

من رحمته ، بل هو ثابت بعـدة
روايـات صحيحـة وكشفيـات

صادقة كون دقيقة واحـدة مـن
مـرضِ قسـمٍ مـن الشاكريـن

الصابرين هي بحكم ساعة عبادة
كاملـة لهـم ، فــلا تَـشْـكُ

يا أخي – مـن مـرض يجعـل
مـن دقيقـة عصيبـة علـيـك

ألـف دقيقـة ويمـدك بعـمـر
طويل مديد ! بل كن شاكرا له .

قال رسـول الله صلـى الله عليـه وسلـم
: {إذا ابــتــلــي الـمـســلــم

بـلاء فـي جـسـده ، قــال الله عــز
وجل : اكتب له صالـح عمله،فـإن شفـاه

غـسّـلـه وطـهــره وإن قـبـضـه
غفر له ورحمه}.<حديث حسن :رواه أحمد>

الدواء الثالث غدا إن شاء الله

مشكوره يالغلا

مجهود تشكرينـ عليه

مشكوووره
جزاك الله خير

من جد مشكورا ع المهود يديكي الصحه ياغلاا

يسلمووووووو على مروركم حبيبااااااااااتى

ربى مايحرمنى منكم

الدواء الثالث

أيها المريـض الـذي لا يطيـق !
إن الإنسـان لـم يــأت إلــى

هـذه الدنيـا للتمـتـع والتـلـذذ
والشاهـد علـى ذلـك : رحـيـل

كـل آت ، وتشـيّـب الشـبـاب
وتدحـرج الجميـع فـي دوامــة

الـزوال والـفـراق ، وبينـمـا
تـرى الإنسـان أكمـل الأحيـاء

وأسمـاهـا وأغنـاهـا أجـهـزة
بـل هـو السيـد عليهـا جميعـا

إذ بـه يجلـب لحيـاتـه أشــد
الآلام والمشـاق بالتفـكـر فــي

لــذّات الـمـاضـي وبـلايــا
المستقبل ، فيقضـي حياتـه فـي

كـــدر ومـشـقـة هـاويــا
بنفسه إلى دركاتٍ أدنى من الحيوان

فالإنـسـان إذن لــم يـــأت
إلى هـذه الدنيـا لقضـاء عيـش

نـاعــم جـمـيـل مـغـمـور
بنسمـات الـراحـة والصـفـاء

بـل جـاء إلـى هـنـا ليغـنـم
سعـادة حيـاة أبـديـة دائـمـة

بمـا يُسَـر لــه مــن سـبـل
التجـارة بـرأس مـالـه هــو

العمـر . فـإذا انعـدم الـمـرضُ
وقـع الإنسـان فــي الغفـلـة

نتيـجـة الصـحـة والعـافـيـة
وبـدت الدنـيـا فــي عينـيـه

حـلــوة خـضــرة لـذيــذة
فيصيـبـه عنـدئـذ مـــرضُ

نسـيـان الآخــرة ، فيـرغـب
عـن ذكـر المـوت والقـبـر ،

ويـهـدر رأس مــال عـمـره
الثمـيـن هـبـاء مـنـثـورا ،

في حيـن أن المـرض سرعـان
مـــا يـوقـظـه مـفـتـحـا

عينيـه ، قائـلا لـه : " أنــت
لـســت خـالــدا ولـســت

سائبـا ، بـل أنــت مسـخّـرُ
لوظيفـة ، دع عـنـك الـغـرور

اذكـر خالقـك ... واعلـم بأنـك
مـاض إلـى القـبـر ، وهـيـئ

نفـسـك وجهـزهـا هـكــذا "
فالـمـرض إذن يـقـوم بــدور

مـرشـد نـاصــح مـوقــظ
فـلا داعـي بعـدُ إلـى الشكـوى

منـه ، بــل يـجـب التفـيـؤ
فــي ظــلال الـشـكـر ، وإذا

مـا اشتـدت وطـأتـه كثـيـرا
فعلـيـك بالصـبـر الجـمـيـل

غدا الدواء الرابع بعونه تعالى

يسلمووووووووووووووووو

يسلموووووو على مرورك يالغلااااااااااااا

الدواء الرابع

أيـهــا الـمـريـض الـشـاكــي !
اعلـم أنـه ليـس لــك حــق فــي

الشـكـوى ، بــل علـيـك الشـكـر،
عـلـيـك الـصـبـر لأن وجـــودك

وأعـضـاءك وأجـهـزتـك لـيـسـت
بملـكـك أنـــت ، فـأنــت لـــم

تصنعـهـا بنفـسـك ، وأنــت لــم
تبتعـهـا مــن أيـــة شـركــة أو

مـصـنـع ابتـيـاعـا ، فـهــي إذن
مـلـكُ لآخــر ، ومــا لــك تـلـك

الأشــيــاء يـتـصــرف فــــي
ملـكـه كـيـف يـشـاء ، كـمـا ورد

مـثـالُ لـذلـك : وهــو أن صانـعـاً
ثـريّـا مـاهـرا يـكـلـف رجـــلا

فقـيـرا لـقــاء أجـــرة معـيـنـة
ليقـوم لــه لـمـدة سـاعـة بــدور

( النـمـوذج ) . فـلأجــل إظـهــار
صنـعـتـه الجمـيـلـة وخـبـرتــه

القـيّـمـة يُـلـبـسـه الـقـمـيـص
المزركـش الـذي حـاكـه ، والحـلـة

القشيبـة المرصعـة الـتـي نسجـهـا
فــي غـايـة الجـمـال والصنـعـة ،

وينـجـز علـيـه أعـمـالا ويظـهـر
أوضـاعـا وأشـكـالا شـتـى لبـيـان

خـــوارق صنـائـعـه وبــدائــع
مهارتـه ، فيقـصّ ويـبـدّل ، ويــوّل

ويـقـصّـر ، وهــكــذا . فــيــا
تُـرى أيحـق لذلـك الفقيـر الأجيـر أن

يـقـول لـذلـك الصـانـع المـاهـر :
بطلبـك الانحنـاء مــرة والاعـتـدال

أخـــرى ، والـوقــوف مــــرة
والجلـوس أخــرى وإنــك تـشـوّه

الجمـال المتألـق علـى هـذا القميـص
الــــذي يـجـمّــل هـنـدامــي

ويزيّن قـدّي بقصّـك وتقصيـرك لـه "
وكـذلــك الــحــال بالـنـسـبـة

للصانـع الجلـيـل سبحـانـه وتعـالـى
ولله – المـثـل الأعـلـى – الـــذي

ألبسك أيها المريـض قميـص الجسـد ،
وأودع فـيـه الـحـواس النـورانـيـة

المرصعـة كالعـيـن والأذن والعـقـل ،
فتـراه لأجـل إظهـار نقـوش أسمائـه

الحسنـى ، يبدلّلـك ضـمـن حــالات
متنوعة ويضعك فـي أوضـاع مختلفـة،

فكما أنك تتعرف علـى اسمـه (الـرزاق)
باجراعـك مـرارة الجـوع ، تتـعـرف

علـى اسمـه ( الشافـي ) بمـرضـك ،
ونظرا لظهور قسم مـن أحكـام أسمائـه

الحسنـى بـالآلام وانكشافـه بالمصائـب
ففيها مـن أنـوار الجمـال مـا يشـف

عن لمعات الحكمـة وشعاعـات الرحمـة
فـإذا مـا رُفــع الحـجـاب فستـجـد

فيمـا وراء مرضـك الـذي تستوحـش
منـه وتنفـر ، معانـي عميقـة جميلـة

مـحـبـبـة تــرتــاح إلـيــهــا
تلك التي كانت تنزوي خلف حجاب المرض

غدا الدواء الخامس إن شاء الله

تسلمين يالغلاا

ماقصرتي

يسلموووووووو على مرورك ياقلبووووووو

الدواء الخامس

أيها المبتلى بالمرض ! لقد توافرت لديّ
القناعة التامـة خـلال تجربتـي فـي

هذا الزمان ، بأن المرض – لقسم من -
الناس – نوع مـن الإحسـان الإلهـي

والهدية الرحمانية ، عن أبـي هريـرة
رضي الله عنـه أن النبـي صلـى الله

عليه وسلم قـال : "مـن يـرد الله بـه
خيراً يُصب منـه " <رواه البخـاري>،

فقد التقاني بعض الشباب – فـي هـذه
السنوات الثمان أو التسع – لمعاناتهـم

المرض ، ابتغاء دعائـي لهـم ، رغـم
أني لست أهـلا لذلـك ، فلاحظـت أن

من كان يعاني منهـم مرضـاً أو ألمـاّ
شديدا هو أكثـر تفكـرًا فـي الآخـرة

وتذكرًا لها ، وليس ثملاً بغفلة الشبـاب
بل كان يقي نفسه – إلى حدٍّ ما – تحت

أوجاع المرض وأوصابه ويحافظ عليهـا
مـن الشهـوات الحيوانيـة ، وكنـت

أذكّرهم بأني أرى أن أمراضهـم هـذه
- ضمن قابليتهم عل التحمّل – إنما هي

إحسـان إلهـي وهبـة منـه سبحانـه
وكنت أقول : " يا أخي أنا لسـت ضـد

مرضك هـذا ولا عليـه ، فـلا أشعـر
بشفقة عليك ورأفـة لأجـل مرضـك ،

كي أقوم بالدعاء لك ، فحـاول التجمـل
بالصبر والثبات أمـام هـذا المـرض ،

حتى تتحـق لـك الإفاقـة والصحـوة
إذ بعـد أن ينهـي المـرض مهـامـه

سيشفيـك الخالـق الرحيـم إن شـاء
الله " وكنـت أقــول أيـضـا " " إن

قسما من أمثالـك يزعزعـون أركـان
حياتهم الأبدية بـل يهدمونهـا مقابـل

متـاع ظاهـري لساعـة مـن حيـاة
دنيويـة ، وذلـك لمضيهـم سادريـن

في الغفلة الناشئة من بـلاء الصحـة ،
هاجريـن الصـلاة ناسيـن الـمـوت

وغافلين عن الله عز وجل . أمـا أنـت
فتـرى بعيـن المـرض القبـرَ الـذي

لا مناص من الذهاب إليه ، وتـرى مـا
وراءه من المنازل الأخروية الأخـرى ،

ومـن ثـم تتحـرك وتتصـرف وفـق
ذلك ، فمرضك إذا هو بمثابة صحة اك ،

والصحة التي يتمتـع بهـا قسـم مـن
أمثالك إنما هي بمثابـة مـرضٍ لهـم"

الدواء السادس غدا بعونه تعالى

<HR style="COLOR: #e0e0f6" SIZE=1>

الدواء السادس

أيهـا المريـض الشاكـي مـن الألـم !
أسألك بالله أن تعيـد فـي نفسـك مـا

مضى مـن عمـرك وأن تتذكـر الأيـام
الهانئـة اللذيـذة السابقـة مـن ذلـك

العمـر والأوقـات العصيبـة والأليمـة
التي فيه ، فلا جرم أنـك ستنطـق إمـا

ب ( أوه) أو (آه) أي إمـا ستتنـفـس
الصعداء ، وتقول : (الحمد لله والشكـر

لله ) أو ستتنـهـد عميـقـا قـائـلا :
( واحسرتاه ! واأسفاه ) فانظر كيـف أن

الآلام والنوائب التي عانيت منها سابقـا
ندمـا خطـرت بذهنـك جعلتـك تحمـد

شاكرا ، وغمرتك بلذة معنويـة ، حتـى
هاج قلبك ب ( الحمـد لله والشكرلـه )

ذلك لأن زوال الألم يولد لـذة وشعـورا
بالفـرح ، ولأن تلـك الآلام والمصائـب

قد غرست بزوالها لذة كامنة في الـروح
سالت بتخطرها علـى البـال وخروجهـا

من مكمنها حـلاوة وسـرورا وتقطـرت
حمدا وشكرا . أما حالات اللذة والصفـاء

التي قضيتها والتي تنفـث عليهـا الآن
دخان الألم بقولك (واأسفاه ، واحسرتاه )

فإنها بزوالها غرست في روحـك ألمـا
مضمرا دائميا ، وها هو ذا الألم تتجـدد

غصاته الآن بأقل تفكر في غيـاب تلـك
اللذات ، فتنهمر دموع الأسف والحسرة .

فما دامت اللذة غيـر المشروعـة ليـوم
واحد تذيق الإنسـان – أحيانـا- ألمـا

معنويا طوال سنـة كاملـة ، وأن الألـم
الناتج من يـوم مـرض مؤقـت يوفـر

لذة معنوية لأيام عدة - لما فـي خلالـه
من الثواب فضلا عـن اللـذة المعنويـة

النابعة من الخلاص منـه فتذكـر جيـدا
نتيجة المـرض المؤقـت الـذي تعانيـه

وفكر في الثـواب المرجـو المنتشرفـي
ثنايـاه ، وتشبـث بالشـكـر وتـرفـع

عـــن الـشـكــوى وقــــل :
( يا هـذا ....كـل حـالٍ يـزول ....)

<HR style="COLOR: #e0e0f6" SIZE=1>

الدواء السابع

أيها المريض الفاقد لنعمـة الصحـة ،
إن مرضـك لا يَذْهَـب بِلَـذَّةِ النعمـة

الإلهية في الصحة بـل علـى العكـس
إنه يذيقك إياهـا ويُطيِّبهـا ويزيدهـا

لذة ، ذلك أن كل شئ إذا دام واستمـر
على حالـه يفقـد طعمـه وتأثيـره ،

حتى اتفق العلماء على القـول : إنمـا
الأشياء تعرف بأضدادهـا : ( فمثـلا

لولا الظلمة لما عُـرِف النـور ولظـل
دون لـذّة ، ولـولا البـرودة لـمـا

عُرِفت الحرارة ولبقيت دون استساغة
ولـولا الجـوع لمـا أعطـى الأكـل

لذته وطعمه ، ولولا المعدة لما وَهَبنـا
احتسـاء المـاء ذوقــا ، ولــولا

العلّة لكانت العافية بلا ذوق ولا معنـى
ولـولا المـرض لبـاتـت الصـحـة

عديمة اللذة . إن الفاطر الحكيـم لمّـا
أراد إشعـار الإنـسـان وإحسـاسـه

مختلف إحسانه وإذاقته أنـواع نِعَمـه
سوقـا منـه إلـى الشكـر الدائـم ،

جهّـزه بأجهـزة فـي غايـة الكثـرة
لتُقبل على تذوق تلك الآلاف المؤلفـة

من أنواع النعم المختلفـة ، لـذا فـلا
بـد مـن أنـه سينـزل الأمــراض

والأسقام والعلل أيضـا مثلمـا يلطـف
ويــرزق الـصـحـة والعـافـيـة

وأسألك بالله : ( لو لم يكن هذا المرض
الـذي أصـاب رأســك أو يــدك

أو معدتك ، هـل كـان بمقـدورك أن
تتحسس اللذة الكامنـة فـي الصحـة

التـي كانـت باسطـة ظلالهـا علـى
رأسـك أو يـدك أو معدتـك ؟ وهـل

كنـت تتمكـن أن تتـذوق النعـمـة
الإلهية التي جسّدتهـا تلـك النعمـة ؟

بل كان النسيـان بـدلا مـن الشكـر
أو كـان صــرف تـلـك الصـحـة

بـطـغــيــان الـغــفــلــة
إلــى سـفـاهـة دون شـعــور

الدواء الثامن

أيها المريض الذاكر لآخرته ! إن مرضك
كمفعول الصابـون ، يظهـر أدرانـك ،

ويمسح عنك ذنوبك ، وينقيك من خطاياك
فقـد ثبـت أن الأمــراض كـفـارات

للذنوب والمعاصي ، إذ ورد في الحديـث
الصحيـح : " مـا مـن مسلـم يصيبـه

أذىً إلا حاتّ الله عنه خطاياه كما تحـاتّ
ورق الشـجـر " < رواه البـخـاري>

ذلك لأن الذنوب هي أمراض دائمة فـي
الحيـاة الأبديـة . لا تشكـو نـجـوت

بنفسك إذًا بهذا المـرض مـن أمـراض
دائمة كثيـرة جـدا . وإذا كنـت لاهيـا

عن ذنوبك ، ناسيًا آخرتك غافـلا عـن
ربك ، فإنـي أؤكـد معاناتـك مـن داء

خطير ، هو أخطر وأفتك وأكبر بمليـون
مـرة مـن هـذه الأمـراض المؤقـتـة

ففرَّ منه واصرخ ..! لأن قلبك وروحـك
ونفسـك كلهـا مرتبطـة بمـوجـودات

الدنيا قاطبة ، وإن تلك الأواصر تنقطـع
دومًـا بسيـوف الـفـراق والــزوال

فاتحة فيك جروحـا عميقـة ، وبخاصـة
أنك تتخيل الموت إعدامـا أبديـا لعـدم

معرفتك بالآخرة ، فكـأن تلـك الجـروح
والشـروخ – عـادة – تجعـل مـنـك

كيانا مريضا بحجـم الدنيـا ممـا يحتـم
عليك قبل كـل شـيء أن تبحـث عـن

العلاج التام والشفـاء الحقيقـي لكيانـك
المعنـوي الكبـيـر الــذي تفسّـخـه

العلل غيـر المحـدودة والكلـوم غيـر
المعدودة ، فمـا أظنـك تجدهـا إلا فـي

عـلاج الإيمـان وبلسمـة الشـافـي ،
واعلم أن أقصـر طريـق لبلـوغ ذلـك

العـلاج هـو الإطـلال مـن نافـذتـي
( العجـز والفقـر ) اللتـان تفتـحـان

بتمزيـق المـرض المـادي لحـجـاب
الغفلة واللتين جُيِل الإنسـان عليهمـا ،

وبالتالـي تبلـغ إلـى معرفـة قــدرة
القادر ذي الجلال وإلى رحمته الواسعة .

نعم إن الذي لا يعرف الله يحمـل فـوق
رأســه همـومـا وبـلايـا بسـعـة

الدنيا وما فيها ، ولكـن الـذي عـرف
ربـه تمتلـئ دنيـاه نـورا وســرورا

معنويا ، وهو يشعـر بـذل بمـا لديـه
من قوة الإيمان – كل حسـب درجتـه –

نعـم إن ألــم الأمــراض المـاديـة
الجزئية يذوب وينسحق انسحاقـا تحـت

وابـــل الـســرور الـمـعـنـوي
والشفاء اللذيذ القادميـن مـن الإيمـان