- إن التقوى: سبب لنيل رحمة الله، وهذه الرحمة تكون في الدنيا كما تكون في الآخرة،
قال تعالى: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَـاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ} [الأعراف:156].
17 - إنها: سببٌ لنيل معية الله الخاصة، فمعية الله لعباده تنقسم إلى قسمين: معيّة عامة: وهي شاملة لجميع العباد بسمعه، وبصره،
وعلمه، فالله سبحانه سميع، وبصير، وعليم بأحوال عباده، قال تعالى: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُم} ْ [الحديد:4].
ومعيّة خاصة تكون للمتقين من عباده، قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ} [النحل:6].
وقال تعالى: {وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ} [البقرة:194]. 18 - إن العاقبة تكون لهم، قال تعالى: {وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى} [طه:46]،
وقال تعالى: {وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ} [ص:49]، وقال تعالى: {إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ} [هود:49].
19 - إنها: سببٌ لحصول البشرى في الحياة الدنيا، سواء بالرؤيا الصالحة، أو بمحبة الناس له والثناء عليه،
قال تعالى: {الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ (63) لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ} [ يونس:64،63].
قال الامام أحمد عن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: {لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا}
قال: ( الرؤيا الصالحة يراها المسلم، أو تُرى له ). وعن أبي ذر الغفاري أنه قال: يا رسول الله، الرجل يعمل العمل،
ويحمده الناس عليه، ويثنون عليه به فقال رسول الله ) : تلك عاجل بشرى المؤمن ) 20
- إن التقوى: إذا أخذت النساء بأسبابها والتي من ضمنها عدم الخضوع في القول فإنها تكون سبباً
في ألا يطمع فيهن الذين في قلوبهم مرض، قال تعالى: {يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء
إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْرُوفًا} [الأحزاب:32]. 21
- إن التقوى: سببٌ لعدم الجور في الوصية، قال تعالى: { كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ} [البقرة:180].
22 - إن التقوى: سببٌ في إعطاء المطلقة متعتها الواجبة لها، قال تعالى: {وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ} [البقرة:241].
23 - إن التقوى: سببٌ في عدم ضياع الأجر في الدنيا والآخرة، قال تعالى بعد أن منّ على يوسف عليه السلام بجمع شمله مع إخوته:
{إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيِصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} [يوسف:90]. 24
- إن التقوى: سببٌ لحصول الهداية. قال تعالى: {ألم (1) ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ} [البقرة:2،1].
ثانياً: الفوائد المترتبة على التقوى في الآخرة: 1 - إن التقوى: سببٌ للإكرام عند الله عز وجل، قال تعالى:
{إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات:11]. 2 - إن التقوى: سببٌ للفوز والفلاح، قال تعالى: {وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ} [النور:52].
3 - إنها: سببٌ للنجاة يوم القيامة من عذاب الله، قال تعالى: {وَإِن مِّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَّقْضِيًّا
(71) ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوا وَّنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا} [مريم:72،71]. وقال تعالى: {وَسَيُجَنَّبُهَا الأَتْقَى} [الليل:17].
4 - إنها: سببٌ لقبول الأعمال، قال تعالى: { إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [المائدة:27]. 5
- إن التقوى: سببٌ قويٌ لأن يرثوا الجنة، قال تعالى: {تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَن كَانَ تَقِيًّا} [مريم:63].
6 - إن المتقين: لهم في الجنة غُرفٌ مبنيةٌ من فوقها غُرف،
قال تعالى: { لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِّن فَوْقِهَا غُرَفٌ مَّبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ وَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ الْمِيعَادَ} [الزمر:20].
وفي الحديث ) إن في الجنة لغرفاً يرى بطونها من ظهورها، وظهورها من بطونها ( فقال أعرابي: لمن هذا يا رسول الله؟
قال: " لمن أطاب الكلام، وأطعم الطعام، وصلّى بالليل والناس نيام. 7ـ إنهم بسبب تقواهم: يكونون فوق الذين كفروا
يوم القيامة في محشرهم، ومنشرهم، ومسيرهم، ومأواهم، فاستقروا في الدرجات في أعلى عليين،
قال تعالى: {زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ اتَّقَواْ فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ} [البقرة:212].
8 - إنها: سببٌ في دخولهم الجنة، وذلك لأن الجنة أُعدت لهم، قال تعالى: {وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} [آل عمران:133].
وقال تعالى: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آمَنُواْ وَاتَّقَوْاْ لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ} [المائدة:65].
9 - إن التقوى: سببٌ للتكفير من السيئات، والعفو عن الزلات قال تعالى: {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا} [الطلاق:5]،
وقال تعالى: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آمَنُواْ وَاتَّقَوْاْ لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ} [المائدة:65].
10 - إن التقوى: سبب لنيل ما تشتهيه الأنفس، وتلذ الأعين، قال تعالى: { جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَآؤُونَ كَذَلِكَ يَجْزِي اللَّهُ الْمُتَّقِينَ} [النحل:31].
11 - إن التقوى: سبب لعدم الخوف والحزن وعدم المساس بالسوء يوم القيامة، قال تعالى: { وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوا بِمَفَازَتِهِمْ لا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} [الزمر:61]
وقال تعالى: أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللَّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ (62) الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ} [يونس:63،62].
12 - إنهم يحشرون يوم القيامة وفداً إليه تعالى، والوفد: هم القادمون ركباناً، وهو خير موفود، قال تعالى: { يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا} [مريم:85].
قال ابن كثير: عن النعمان بن سعيد قال: ( كنا جلوساً عند علي فقرأ هذه الآية: يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا.. قال: لا والله ما على أرجلهم يحشرون،
ولا يحشر الوفد على أرجلهم، ولكن بنوق لم ير الخلائق مثلها، عليها رحائل من ذهب، فيركبون عليها حتى يضربوا أبواب الجنة ).
13 - إن الجنة: تقرب لهم، قال تعالى: { وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ} [الشعراء:90]، وقال تعالى: {وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيد} ٍ [ق:21].
14 - إن تقواهم: سبب في عدم مساواتهم بالفجار والكفار،
قال تعالى: { أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ}
[ص:28]. 15- إن كل صحبة وصداقة لغير الله فإنها تنقلب يوم القيامة إلى عداوة إلا صحبة المتقين،
قال تعالى: {الأَخِلاَّء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ الْمُتَّقِينَ} [الزخرف:67].
16 - إن لهم مقاماً أميناً وجناتٍ وعيوناً.. إلخ – كما قال تعالى: { إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ (51) فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ
(52) يَلْبَسُونَ مِن سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُّتَقَابِلِينَ (53) كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُم بِحُورٍ عِينٍ (54) يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَاكِهَةٍ آمِنِينَ
(55) لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلاَّ الْمَوْتَةَ الأُولَى وَوَقَاهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ} [الدخان:51-56].
17 - إنه لهم مقعد صدق عند مليك مقتدر، قال تعالى: { إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ (54) فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ} [القمر:55،54]. 18
- إن التقوى: سبب في ورود الأنهار المختلفة، قال تعالى: { مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِّن مَّاء غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ
مِن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ و َأَنْهَارٌ مِّنْ عَسَلٍ مُّصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ} [محمد:15].
وفي الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إذا سألتم الله تعالى فاسألوه الفردوس، فإنه أوسط الجنة وأعلى الجنة،
ومنه تفجر أنهار الجنة، وفوقه عرش الرحمن". 19 - إن التقوى: سبب المسير تحت أشجار الجنة، والتنعم بظلالها،
قال تعالى: { إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلالٍ وَعُيُونٍ (41) وَفَوَاكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ (42) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} [ا
لمرسلات:41-43]، فعن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "إن في الجنة شجرة يسير الراكب
في ظلها مائة عام لا يقطعها " البخاري. 20 - إن لهم البشرى في الآخرة بألا يحزنهم الفزع لأكبر،
وتلقى الملائكة لهم، قال تعالى: {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللَّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ (62) الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ
(63) لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ} [يونس:62-64]. قال ابن كثير: ( وأما بشراهم في الآخرة فكما
قال تعالى: {لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ} [الأنبياء:103 21
ـ إن المتقين: لهم نعم الدار، قال تعالى: {وَلَدَارُ الآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ} [النحل:30].
22- إن المتقين: تضاعف أجورهم وحسناتهم، كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ
مِن رَّحْمَتِهِ وَيَجْعَل لَّكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ} [الحديد:28]. كفلين: أي أجرين. وكان النبي صلى الله عليه وسلم
يوصي أصحابه بهذه الوصية العظيمة تأسياً بكتاب الله، وسَيراً على نهج رسل الله صلوات الله وسلامه عليهم إلى يوم الدين،
ولذلك لما جاءه الرجل وهو يريد السفر، قال: (يا رسول الله! إني أريد السفر فزودني، قال: زودك الله التقوى)
فما وجد النبي صلى الله عليه وسلم زاداً يقذفه في سمع ذلك المؤمن إلا أن يدعو له أن يزوده الله التقوى،
وأي زاد ذلك الزاد الذي شهد الله عز وجل أنه خير زاد، كما قال سبحانه وتعالى: {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى} [البقرة:197].
قال بعض العلماء: قوله تعالى: {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى} فيه دليل على أنه ما خرج عبد بخصلة بعد الإيمان أحب إلى الله
من تقوى الله عز وجل، وتقوى الله يربيها المسلم في قلبه بقراءة كتاب الله جل وعلا، وتدبر تلك الآيات،
والنظر في تلك الكلمات العظيمات، والمواعظ البالغات، التي تقرب القلوب إلى ربها، وتحببها في طاعة خالقها،
وتجعلها أعف ما تكون عن حدود الله جل وعلا ومحارمه. وما كمل تدبر العبد للقرآن إلا كمّل الله تقواه،
ولذلك صدّر الله كتابه بقول: {الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ} [البقرة:1-2] فأخبر أن هذا القرآن
والكتاب يهتدي به المتقون، وينتفع به الصالحون جعلنا الله وإياكم منهم، فخير ما يتواصى به الأخيار تقوى الله جل وعلا.
وتقوى الله تكون مع الإنسان وهو بين الناس، وتكون مع الإنسان وهو وحيد وفريد، وبين أهله وولده، ومع الأزواج والزوجات،
ومع الأبناء والبنات. التقوى تكون مع الإنسان خالياً، فلربما ملكت قلبه ففاضت عيناه من الدمع، فحرم الله تلك العين على النار،
كما في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم: (كل العيون باكية أو دامعة يوم القيامة إلا ثلاثة أعين -وذكر منها- عين بكت من خشية الله)
فتكون التقوى مع العبد فريداً وحيداً، ولربما انفرد في ليلة لكي ينام، وأضجع شقه لكي يرتاح، حتى إذا أراد أن ينام تذكر
حدود الله وحقوقه، فأشفق على نفسه من تقوى الله جل وعلا، ودمعت عيناه وهو لا يشعر، فأظله الله بتلك الدموع في ظله
يوم لا ظل إلا ظله، ففي الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم في السبعة: (ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه).
قال بعض العلماء: وقلَّ أن يكون لعبد إلا إذا كان فيه تقوى لله جل وعلا، وتكون تقوى الله مع الإنسان وهو بين أهله
وأولاده، يأمرهم بطاعة الله، ويحببهم في مرضاة الله، ويأخذ بتلك القلوب البريئة إلى محبة الله ومرضاته، ويجعلها على
خير ما يكون عليه الابن وعلى خير ما تكون عليه البنت، يتقي الله وهو بين أهله وأولاده، قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح:
(أنه جاءه النعمان وقال: يا رسول الله! إني نحلت بعض ولدي نحلة، وقالت أم فلان: لا أرضى حتى تشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم عليها،
فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: أكل ولدك نحلته ذلك؟ قال: لا، يا رسول الله! قال: اذهب فأشهد على هذا غيري فإني لا أشهد على جور)
وفي رواية: (اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم). فتقوى الله تكون مع المسلم حتى وهو مع أولاده، في حركاته معهم وسكناته،
وتفضيله لبعضهم على بعض، فيتقي الله فيهم في مطعمهم ومشربهم وملبسهم، وفي إدخال السرور عليهم، وفي تأمينهم
، وغير ذلك من الحقوق التي فرضها الله عز وجل عليه، والتي إذا أداها على أتم الوجوه جعله الله على منبر من نور يغبطه عليه
الأنبياء والشهداء، قال صلى الله عليه وسلم: (إن المقسطين على منابر من نور يوم القيامة يغبطهم عليها الأنبياء والشهداء،
الذين يعدلون في أهليهم وما ولُّوا). كذلك تكون تقوى الله عز وجل مع المسلم وهو في تجارته، في بيعه وشرائه،
وأخذه وعطائه، لا يمكن أن تقبض يده على مال، إلا وقد اتقى الله جل وعلا حين يأخذه، ولا يمكن أن تبذل يده شيئاً
من المال إلا وقد اتقى الله جل وعلا وهو يبذله، يتقي الله جل وعلا؛ لأنه يعلم أن الله يحاسبه على كل شيء جنته يداه،
وعلى كل شيء أعطته يداه، فتقوى الله تدخل مع العبد في جميع شئونه وأحواله. ولذلك قالوا: من أوصى بتقوى
الله فقد أوصى بالدين، بل أوصى بجامعة الخير، كما قال الإمام الحافظ ابن عبد البر : جماع الخير كله تقوى الله،
وما وصَّى نبي ولا عالم إلا استفتح وصيته بقوله: أوصيك بتقوى الله جل وعلا. ولذلك هي الوصية العظيمة التي
ينبغي للمسلم أن يستشعرها في جميع شأنه وأحواله. نسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يجعلنا من عباده المتقين،
اللهم إنا نسألك أن تقذف في قلوبنا نورها، وأن تجعلنا من أهلها إنك ولي ذلك والقادر عليه، وآخر دعوانا
أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبيه وآله وصحبه أجمعين. *** تم و الحمد لله الذي تتم بنعمته الصالحات
منقوول